بسم الله الرحمن الرحيم

عاجل البشرى


المؤمن له البشرى في هذه الدنيا
وله البشرى عند مفارقة الدنيا
وله البشرى في الآخرة

قال جل جلاله :
( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )

فأما البشرى في الدنيا فإنه إذا عمل الأعمال الصالحة الخالصة لله عز وجل ثم أُثني عليه بها فإن ذلك لا يُنقص أجره ولا يضرّه ؛ لأنه إنما عمل العمل لله عز وجل .
وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ، ويحمده الناس عليه ؟ قال : تلك عاجل بشرى المؤمن . رواه مسلم .
عاجل بشرى المؤمن لأنه لم يعمل العمل ابتداء ولا انتهاء من أجل أن يراه الناس ، لكنه لما عمل العمل أطلع الله عليه الناس فحمدوه عليه .
بخلاف من يعمل العمل ليُحمد عليه ، أو من يُحب أن يُحمد بما لم يعمل !
( لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )

وقال عليه الصلاة والسلام : إذا سرّتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن . رواه الإمام أحمد .
فالمؤمن تسرّه الحسنة التي عملها ، وإن كان يهمه أن تُقبل منه .
وتُحزنه سيئته ويتمنى أنه لم يُقارفها .

ومن البشرى أن يعمل المسلم العمل لله عز وجل فيورثه ذلك ثناء الخلق ، فيفرح بهذا الثناء .
قال عليه الصلاة والسلام : أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيراً ، وهو يسمع ، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شراً ، وهو يسمع . رواه ابن ماجه وصححه الألباني .

والرؤيا الصالحة بشرى للمؤمن لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب ، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة ، والرؤيا ثلاثة : فرؤيا الصالحة بشرى من الله ، ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه . رواه مسلم .

وقد وصف الله عز وجل القرآن بأنه بشرى للمؤمنين ، فقال تبارك وتعالى :
( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )
وقال :
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )

وأما البشرى عند مفارقة الدنيا
فقد قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي )
وعند مُفارقة هذه الدنيا تكون البشرى للمؤمنين
( فأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ )

وتتنزّل ملائكة الرحمن على المؤمنين بالرحمة والبشرى
( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ )

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه . قالت عائشة : إنا لنكره الموت . قال : ليس ذاك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه . رواه البخاري .
فالمؤمن يُحبُّ لقاء الله لأنه أحسن العمل فيُقدم على ربّ راضٍ غير غضبان .
والفاجر يكره لقاء الله لأنه أساء العمل فيُقدم على رب غضبان .

وأما البشرى في الآخرة فإن المؤمنين الذين سبقت لهم الحسنى ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ )

ويا بهجة نفوس المؤمنين يوم يُبشّرون بالجنات ورضا رب الأرض والسماوات
( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

هؤلاء لهم البشرى ، وأولئك لهم الحسرات
( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )
فيا لطول حسراتهم وهم يوبّخون هذا التوبيخ ، ويُقرعون بهذا التقريع .
ويا لبؤس بضاعة النفاق الـمُـزجاة .
ولخيبة آمالهم وهم يعتذرون فلا يُعذرون
ويستجدون ولا يُجابون
ويستحسرون فيزيدون ألماً وحسرة
( فَيَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ )

فاللهم لا تجعلنا ممن فتنوا أنفسهم وتربصوا وارتابوا وغرّتهم الأماني .
واجعلنا ممن قيل فيهم :
( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )